الاختلاط
موقف الإسلام منه وأضراره
فضيلة الشيخ د. رعد عبد الرزاق الدليمي
* إنّ الحَمدَ لله نَحمُدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونتوبُ إليه ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..
* يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.....
* يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام أن الله كان عليكم رقيبا..
* يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.. أما بعد ...
* فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم وإن شر الأمور محدثاتها وإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة وإن كل ضلالة في النار....ثم أما بعد:
* فأصلي وأسلم على النبي المصطفى والرسول المرتضى والحبيب المجتبى الذي بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للامة وجاهد في سبيل الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلاةً وسلاما دائمين باقيين مادامت السماوات والأرض كما أمرني ربي جل وعلا لقوله تبارك وتعالى "إن الله وملائكته يصلون على النبي * يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما " اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ....
* لقد وقعنا أيها الأحبة في مصيدة أعداء الله تبارك وتعالى وأعداء الإسلام..الذين رسموا لنا أنموذج الحياة وصوروه لنا واتبعناهم جهلا وغباء و غفلةً تارةً وجحودا وكفرا وعنادا تارةً أخرى .. فهم قدموا لنا كثيرا من منكرات الأمور، خططوا صيغها عيشا ترتاح إليه النفوس وأحدثوا في الدين ما شاب عليه الصغير و مات عليه الكبير.
* لا أقول سنينا طويلة بل قرونا عديدة...فحسبناه اليوم أمرا طبيعيا لا إشكال فيه ولا معصية وهان علينا أمر الدين فلم نستطع أن نميز بين الحق والباطل ولأننا في جهل من ديننا ونحسب أن كل من لبس لباس الدين وقال ما قال أنه على الحق وأحرى أن يُتّبع ....وسارت تلكم الأمور عادية فمن جاء ينكرها اليوم ويحث الناس على إتباع الحق ومعرفة الله جل وعلا واتباع سنّة نبيّه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التي بُدلت وتبدلت وتبددت وحُلت مكانها البدع والضلالات إلا قليلا .. مثل هذا يحارب ويكنى بكل النعوت القبيحة والظالمة.. وترى أمثلهم طريقة من يرجف به ويثبطه بحجة الحذر من أعداء الله تبارك وتعالى الذين يعيثون في الأرض فسادا ويسبون الدين ويتهمون رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأشكال يتحرج الشريف من ذكرها...
* مثل هؤلاء لا يرجون أن ينهضوا من هذه الإرهاصات التي زينت لهم مرونة العلاقات مع الناس وجعلتهم متحررين وبارزين اجتماعيا.... كما قال تعالى " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " ... الهدف الرئيس أيها الأحبة لأعداء الله تبارك وتعالى وأعداء الدين هو تدمير الإسلام الحق، ورأوا أفضل السبل وأشدها هو الطريق إلى المرأة.. فالمرأة أولا وآخرا ..فإذا سيطروا عليها سيطروا على شريان المجتمع الرئيس وتلاعبوا بكل المقدرات دون وازع أو رادع فيدمروا بذلك المجتمع تدميرا لا هوادة فيه ولا رحمة، ثم يجعلون عاليه سافله وبعد ذلك يجعلون هذا المجتمع مطية لشهواتهم ورغباتهم وحرسا لهم، بل يجعلونهم عبيدا أذلاء كالكلاب تركض خلف أسيادها..
* وهذا بعض حال أمتنا اليوم وما هو خاف عن الخلق أشد وأكبر ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. ووجد أعداء الله تبارك وتعالى أن أفضل وسيلة لمكرهم هو خروج المرأة من بيتها..من حصنها.. من قلعتها ..من قصرها لأن القلاع لا تخترق بسهولة ما لم يضطرب داخلها..فكيف يصلون إلى داخلها ليحدثوا الفتنة و ينقلوا السم إلى داخل البيوت لتضطرب وليضرموا النيران فيها..أشاعوا الاختلاط وشجعوا عليه..هم يحاولون سرقة الجواهر الثمينة من صندوق الكنز فلا بد من يد مدبرة لها أصابع تلتقط تلك الجواهر وتسرقها لتبخس ثمنها بعد ذلك وتسيء استخداماتها وهذا كله من أجل السيطرة على المرأة..
* فيا أيها الرجال إن كنتم حقا رجالا فحافظوا على أهليكم لأن الله تبارك وتعالى يقول " يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " والرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " ...
* انتبهوا بارك الله تعالى فيكم إلى تلكم الأصابع الخفية التي تلعب وتعبث في بيوتكم وأنتم ربما لا تعلمون.. وأعلموا أن كل أمر نهى الله تبارك وتعالى عنه في كتابه أو على لسان رسوله الأمين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجب اجتنابه و الابتعاد عنه وعدم الجدل فيه إتباعا للهوى أو قياسا على واقع حالٍ يعمل فيه الآن أو من أجل غرض أو مصلحة دنيوية ..
* ومن هذه الأمور أمر الاختلاط في داخل البيوت مما نراه اليوم لدى الكثير من المسلمين أصلحهم الله تبارك وتعالى ..فهم يستقبلون الضيوف من الأهل والأصدقاء وحتى الغرباء مسلمين كانوا أم غير مسلمين ويجلسون في مجالس مختلطة لا يرون فيها شيء ولا يفعلون بزعمهم في شيء محرم يسخط الله تبارك وتعالى ورسوله... فإذا كلمت أحدهم بأن هذا من المحرمات التي انتهكها الناس وهم لا يشعرون أنكر عليك وزجرك برفضه لأفكارك المتخلفة الرجعية.. وجادل في هذا الأمر وكأنه عالم بالشريعة والفقه وهو لا يفقه من أمور دينه الكثير..
* فإلى مثل هذا الأخ وتلك الأخت نقول أن الاختلاط منهي عنه بالآيات والأحاديث الصحيحة نسوقها إليكم فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل "...ولا نخاف في الله لومة لائم..فإنني أتكلم من منبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحري بي أن أقول الحق ما استطعت..فإني مسؤول من قبل الله عز وجل عما أقوله لكم فإن كان حقا فالحمد لله تعالى على تثبيته وما عليكم سوى الاتباع والتطبيق ومن عرف ونكر فقد قامت عليه الحجة وأمره إلى الله عز وجل وإن كان قولي باطلا فالويل لي من عذاب الله عز وجل...
* فأول الاختلاط ما يقع داخل البيوت حيث تتزاور العوائل فيما بينها..كلهم من الأقرباء أو الجيران أو الأصدقاء أو الأحبة والمعارف..هذا ابن عم هذا وذاك ابن خالته والآخر ابن عمته وذاك عديله وتلك العائلة جارته ..لا يوجد غريب الكل واحد والعرض واحد والكل أهل ...
* هكذا نشأنا أيها الأحبة حمية قبيلية وعروق جهل متجذّرة قد يتعسّر انقلاعها إلا لمن يسّر الله عليه.... ولا ندري أن الأمراض تأتي من بيننا..فلا يشك المرء بحموه أي قريبه ..هو قد يرتاب من الغريب البعيد ولكنه لا يفعل ذلك مع القريب والجار والصديق الحميم... ونسوا أو ربما ما عرفوا ما رواه البخاري عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، أفرأيت الحمو قال: "الحمو الموت.. الحمو الموت " حديث صحيح...
* فمن هو الحمو هو القريب هو أخ الرجل أو ابن عمه أو عمته أو ابن خاله أو ابن خالته أو نسيبه وهكذا ..أليس هذا تحذير من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأمته بعدم الاختلاط والتحذير منه لما فيه من الفتن ... ولكننا اليوم إن لم نطلع أقربائنا من الرجال على حريمنا تعجب واستغرب وغضب ولسان حاله يقول ما نبغي غير السلام عليها وقد يخرج ولا يكلمه بعد اليوم أبدا، بل يعده متعصبا متشددا...
* وأنتم ترون أيها الأحبة أن كل ما حدث في الجاهلية حدث في هذه الأمة التي قال عنها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: " لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ فإنه من يعش منكم سيجد اختلافا كثيرا "..
* فإن أول الاختلاط وقع في الجاهلية الأولى في بطنين من ولد آدم وحواء في الفترة ما بين إدريس ونوح عليهما السلام وكانت أحدهم تسكن السهل والأخرى تسكن الجبل وما أن اختلطا حتى ظهرت فيهم الفاحشة وهذا ما أورده ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تبارك وتعالى: " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"
* وما حدث في الجاهلية الثانية قبل بعثة المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم من الاختلاط المحرم حتى أن النساء يطفن عاريات في البيت الحرام ..وجاهلية اليوم هي الجاهلية الثالثة وهي أشد من سابقتها.. والله المستعان..
* فالاختلاط أيها الأحبة إنما يضعف الحياء لدى الرجل فهو يجالس في مجلسه المرأة فيأخذ منها الرقة في الكلام وليونة في القول وهذا طبع النساء..فيضعف الحياء عنده ويسلب القرار والوقار وتوهن رجولته وشكيمته فيصاب إيمانه بالخلل ...والحياء شعبة من الإيمان لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم: " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان"
* أما المرأة فيصيبها مثلما يصيب الرجل فإذا قل حياء المرأة تسلطت وأحبت السيطرة على الأمور ..فتراها قوية الكلمة والقرار في البيت..ثم يكون لها القرار في الخروج والعمل والمشاركات وحضور الحفلات والاختلاط خارج البيت.. وكما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم: "كيف بكم إذا طغى نساؤكم وفسد شبابكم وتركتم جهادكم ..قالوا أو ذلك كائن يا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم ؟ قال: "والذي نفس محمد بيده الأشد سيكون ".. وهذا ما يريده أعداء الله عز وجل لكم أيها الأحبة..فالحرب لم تعد حربا بالسيف والرمح..فذاك زمن قد مضى..اليوم حربا سرية..حرب تدخل البيوت تهدمها والمسلمون نيام بل هم غثاء ويشاركوهم بمعاول الهدم فرحين..
* والاختلاط يولد موت الغيرة ..هذه الغيرة التي لم نعد نجدها عند الرجال كما كانت عند سعد بن معاذ عندما كان في جمع من الصحابة يتكلمون في الاختلاط فقال " لو رأيت رجلا مع امرأتي ( أي واقف ربما يسألها عن شيء أو مكان أو عنوان وليس في الفراش ) لضربته بالسيف غير مسفح (أي لا انتظر ان أساله عن سبب كلامه مع زوجتي)..فتعب الصحابة من قولته فأبلغوها إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم .. فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم: " أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير من سعد.. والله عز وجل أغير مني ومن أجل ذلك حرّم الله عز وجل الفواحش ما ظهر منها وما بطن " فأين الرجال اليوم من رجال الأمس..
* فالاختلاط أصل كل بلاء وفساد لما فيه من الفتن فالرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم قال: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وقال: كانت أول فتنة بني إسرائيل في النساء"
* فماذا يحدث في الاختلاط؟
* المصافحة حيث يسلم الرجال على النساء ويتصافحون ويتراحبون ..وما مست يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم يد امرأة قط..وعندما جاءت الصحابيات يسلمن على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم ويبايعنه قلن أبسط يدك نبايعك يا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم قال: "إني لا أصافح النساء "..وهو المعصوم والمؤيد بالوحي..
* وماذا يحدث في الاختلاط؟
* النظر المحرم إلى الوجوه والأجساد وغير ذلك والله عز وجل يقول: " وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله عليم بما يصنعون " .. فهل في الاختلاط غض البصر.. والنفوس لا تتركها الشياطين على فطرتها بل توسوس لها لقوله تبارك وتعالى: "إنما يأمركم بالسوء والفحشاء " .. ناهيك عن فحش الكلام وعدم ذكر الله عز وجل والغيبة والنميمة والفرح والمرح وأولادهم يختلطون فيما بينهم ويحصل بعد ذلك ما لا يحمد عقباه..
* وأعلموا أيها الآباء والأمهات لو أن الاختلاط حلال لما كنا نصلي الآن في بيت الله عز وجل والنساء في مصلى، والرجال في مصلى، ولكنا نفعل كما يفعل الكفار في معابدهم وكنائسهم حيث يقف الرجال بجانب النساء.
* فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم قال: "خير صفوف الرجال أولها وشرها أخرها وخير صفوف النساء آخرها شرها أولها " وكان يفصل بينهما بالصبيان...لأن الرجال يتأثرون حسيا بوجود النساء عن قرب منهم، فما بال إذا تعطرت المرأة وتزيّنت وتبرجت فأصبحت أفضل جنديا للشيطان ثم حضرت تلكم المجالس..لاشك إنها ستفتن وتفتن..
* لذلك كان من هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم أنه يأمر النساء بلزوم حافات الطريق وهن خارجات من الصلاة حتى لا يحصل الاختلاط مع الرجال فكانت إحداهن رضي الله تعالى عليهن وأرضاهن تلتصق بالحائط من شدة الحرص على تطبيق كلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم.. فما تقول الخراجة الولاجة التي تزاحم الرجال في كل مكان تلك التي يمقتها الله عز وجل..
* فاتقوا الله تعالى في أنفسكم وفي نساءكم وبناتكم وأولادكم علّموهم العفاف والغيرة وعدم الاختلاط علّموهم مكارم الأخلاق فهي أثقل عند الله تبارك وتعالى في الميزان.. فأنتم مسؤولون عنهم بل وتحملون أوزارهم مع أوزاركم يوم القيامة..وكونوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه..
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، وأدعوه وأنتم موقنون بالإجابة..
خطبة الجمعة لفضيلة الدكتور رعد عبد الرزاق الدليمي..
نقلا عن موقع السلفيون..