كيف كنا؟.. وكيف أصبحنا؟

لا أعتقد أن هناك خلافا على أننا، كعرب قبل الإسلام، لم نكن شيئا يذكر في تاريخ الأمم، بل كنا قبائل متناحرة مرة على ناقة ومرة على وضع الحجر الأسود، بل كان بعضنا متحالفا مع الفرس، وهم المناذرة، وبعضنا متحالفا مع الروم، وهم الغساسنة، حيث كانت تلك أكبر إمبراطورية في ذلك العصر، وكانت عداوتهم لعرب الجزيرة الذين كانوا يغيرون عليهم "أي إرهابيين بلغة العصر".

حتى جاءنا الإسلام على يد سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وهو عربي منا، وقد عارضه أهله قبل غيرهم كما يحدث دائما عند العرب، بل حاولوا قتله، ولكن الله نجاه، فهاجر إلى المدينة وطاردوه حتى الغار، وحماه الله ودخل المدينة وناصره أهلها بعد إسلامهم ونصره الله بجند من عنده، فانتصر الإسلام وأصبح للعرب دين وأصبحوا بفضله إخوانا، وقويت شوكتهم بعد تمسكهم بالدين الحنيف حيث كانوا "خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، واتجهوا إلى خارج الجزيرة بعد أن وعدهم الله بالنصر على أقوى إمبراطوريات ذلك العصر، وهم الفرس والروم، وانتصروا عليهم فعلا لا قولا، وأسلم الفرس والروم ومعهم الغساسنة والمناذرة، وأصبح لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.

واستمر نشر الإسلام واللغة العربية، لغة القرآن، حتى أن مسلما والبخاري، وهما من الفرس، قد أصبحا المصدر المؤكد للحديث الشريف. واستمر العرب في توسيع امبراطوريتهم وكبرت كراسيهم وامتلأت خزائنهم، فأصبحوا يتنازلون شيئا فشيئا، فتنازلوا أولا عن اللغة العربية مقابل الإسلام والولاء للسلطان، ثم تنازلوا عن الإسلام مقابل الجزية، وهكذا أصبحوا سلطانا بدون لغة ولا دين، وبدأوا في الإنحراف بعد أن كثر مالهم ونساؤهم وكبر سلطانهم، وصدق فيهم القول الشعبي "المال والنسوان يهدوا دولة، مهبول من يأمن إذا وصلوا له". وهكذا وصلوا إلى نهايتهم بنهاية عبد الله الصغير الذي قالت له أمه كلمتها المشهورة "لا تبكي على ملك كالنساء لم تحافظ عليه مثل الرجال".

وهكذا خرجنا مطاردين من قبل الأسبان الذين حكمناهم أكثر من 800 سنة، ولم نترك لهم سوى أطلال نبكي عليها الآن، كما ترك غيرنا من الأمم السالفة حتى سقطت سبتة ومليلة إلى حد الآن، وصلوا إلى طرابلس التي اضطر أهلها إلى الاستنجاد بإخوانهم العثمانيين الذين كانوا لا يزالوا متمسكين بالدين الإسلامي واللغة العربية أكثر منا، وهكذا استلموا الراية وانطلقوا بالدين الإسلامي مبشرين وفاتحين حتى بودابست وتركمانستان، ثم حدث لهم ما حدث لنا من جراء تركهم الدين واللغة، وتكالبت عليهم الأمم وشاركنا- نحن العرب- في انهيارهم بعد أن ضحك علينا عميل المخابرات البريطانية "لورانس العرب" الذي أقنع قياداتنا بما يسمى بالثورة العربية الكبرى؛ وهكذا ساهمنا في إسقاط الراية من جديد من يد الترك، وهكذا ضحك علينا الأنجليز.

وبدل أن نستقل، قسّمنا إلى دويلات وزرعوا فينا دولة "إسرائيل" للفصل بيننا، وأصبح بعضنا تحت حكم بريطانيا والبعض تحت الحكم الفرنسي، وتم استغلالنا من جديد وأصبحنا جنودا تحت قوات الحلفاء نقاتل معهم وفي مقدمتهم، وساهمنا في تحرر أوروبا من النازية، ومقابرنا في أوروبا خير شاهد على ذلك.. وبدل أن نستقل قسمنا إلى دويلات ووضعت لنا حدود في مناطق صحراوية حتى تكون فاصلا طبيعيا بيننا. فانظروا إلى بوابات الحدود بين الدول العربية فلن تجدوا فيها مناطق مأهولة، بل إن أقرب منطقة مأهولة تبعد أكثر من خمسين كيلومترا في الإتجاهين، ولو فكر الوحدويون في هذه الأمة، وقاموا بإنشاء مدن مشتركة على الحدود لكانت بداية وحدوية لها ما بعدها.

وهكذا سلمونا بعد الاستعمار لمن تعامل معهم من العملاء، وأصبح كل منهم يبكي على ليلاه، وهكذا سقطنا تحت راية الصهيونية، وها نحن نعود مرة أخرى بعد أربعة عشر قرنا من الزمن "غساسنة ومناذرة"، فبعضنا مع الترك وبعضنا مع الفرس والباقي مع الصليبية الجديدة.

وللذين يقرأون التاريخ "فإن المناذرة وأحفادهم الذين أسلموا وساهموا في نشر الإسلام هم الذين تشيعوا لعلي ضد معاوية وهم شيعة اليوم في بلاد شرق العرب، وهم أقرب إلى إيران منهم إلى العرب كما كانوا". وكذلك فإن من بقي من الغساسنة ولم يسلم هم المسيحيون العرب في المشرق العربي، وهم أقرب إلى قسطنطينية وفرنسا منهم إلى العرب.

وهكذا تدور الأيام ونعود كما كنا عليه، بعد أربعة عشر قرنا من الزمن، بعد أن فرطنا في كتابنا وحان أجلنا. وأنا أعتقد- وقد أكون مخطئا- أن هذا العصر هو عصر "الإسلام الفارسي" لأنهم أكثر منا، نحن العرب والترك، تمسكا بالدين، ولو أن إسلامهم شيعي، وقد يكون صحيحا، ذلك لأن السنة التي نراها الآن ليست سنة الرسول "صلى الله عليه وسلم" بل سنة الوهابية التي أدخلت الإسلام في مظاهر شكلية، فركزت على القشور وتركت الأصول. "وما على الفرس إذا أرادوا أن يستلموا الراية الآن إلا أن يتقنوا اللغة العربية ويقوموا بإلغاء المذاهب"، وبذلك أكون من الداعين لهم، وما علينا إلا إستيعابهم كما استوعبونا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، وهم أولى بنا من الغرب الصليبي الصهيوني.

أما إذا كنا نريد أن نحيي تراثنا ونبني وطننا فعلينا أن نتمسك بديننا ولغتنا العربية لغة القرآن، كما كنا في عهد عمر الفاروق، حتى نكون خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وليس العكس الذي نحن فيه الآن.

وأنا كمواطن عربي كنت من الحالمين بالوحدة العربية الشاملة وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، طيلة 60 عاما مضت، لا أطالبكم الآن بتحرير فلسطين فقد تكونون عاجزين عن تحرير أنفسكم مما أنتم فيه، ولا أطالبكم بالوحدة العربية الشاملة فقد تكونون عاجزين عن توحيد أقطاركم؛ ولكن أقترح عليكم بعد أن أجلتم قراراتكم إلى ما بعد القمة الطارئة في الفاتح لكي تعطوا أمريكا فرصة لإيجاد نصف حل وسوف لن يجدوه، وأن تدرسوا إمكانية تطوير مجلس التعاون الخليجي ليكون مفتوحا بدون شروط لكل عرب آسيا، وهذا يتوقف على السعودية والعراق بالدرجة الأولى إذا توفرت لديهم الإرادة الحرة، وكذلك أن تدرسوا تطوير اتحاد المغرب العربي ليكون مفتوحا لجميع دول عرب أفريقيا أو لجميع أفريقيا، وهذا يتوقف على مصر والجزائر إذا توفرت الإرادة الحرة؛ أو أن تؤسسوا أربعة تجمعات عربية كبرى، وهي شبه الجزيرة العربية الكبرى، والشام، ووادي النيل، والمغرب العربي، وبذلك يمكن أن ننشئ قوة قد تكون قادرة على الردع، إن لم تكن قادرة على الرد، أو فلتكن قادرة على الرفض؛ وأن تتمسكوا بالحد الأدنى ولنترك لجيل الغد البغضاء.

وما على الشعوب التي ترفض الحكام إلا أن ترفض المساعدات المفروضة وقروض صندوق النقد الدولي، وأن تشد الحزام وأن تشد أزر الحكام إذا اتخذوا القرار الصحيح، حتى يستطيعوا مواجهة الشروط الإستفزازية، والله مع الصامدين.

وفي الختام يمكن أن تكونوا دولتين أو أربع دول على الأكثر ذات قيمة وليس 22 دولة بدون قيمة.

مفيش كلام يتقال بعد الكلام ده
حسبى الله ونعم الوكيل

» الاسره المسلمه وكيف تكون(((ملف كامل))