القلوب ثلاثة: صحيح، وهو الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهه تعارض خبره فسلم من عبودية ما سواه وسلم من تحكيم غير رسوله.
والقلب الميت: ضد هذا هو الذي لا حياة به فلا يعرف ربه ولا يعبده بأمره.
والقلب الثالث: قلب له حياة وبه علة ففيه من محبة الله والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه مما هو مادة حياته، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والأخلاق الرذيلة ما هو مادة عطبه وهو ممتحن بين هذين الداعيين.
فالقلب الأول: حي مخبت لين واع.
والثاني: يابس ميت.
والثالث: مريض فإما إلى السلامة وإما إلى العطب. وأمراض القلوب ترجع كلها إلى أمراض الشهوات والشبهات وحياة القلب وإشراقه مادة كل خير فيه، وموته وظلمته مادة كل شر فيه ولا يكون صحيحًا حيًا إلا بمعرفة الحق وإيثاره، ولا سعادة له ولا نعيم ولا صلاح حتى يكون الله وحده هو معبوده وغاية مطلوبة ولا يتم ذلك إلا بزكاة قلبه وتوبته واستفراغه من جميع المواد الفاسدة والأخلاق الرذيلة ولا يحصل له ذلك إلا بمجاهدة نفسه الأمارة بالسوء ومحاسبتها ومجاهدة شياطين الانس والجن شياطين الانس بالإعراض عنهم ومقابلة الاساءة بالإحسان وشياطين الجن بالاعتصام بالله منهم ومعرفة مكائدهم وطرقهم والتحرز منها بذكر الله تعالى والتعوذ به منهم.()
ومدار اعتلال القلوب وإسقامها على أصلين: فساد العلم وفساد القصد ويترتب عليهما داآن قاتلان: الغضب والضلال فالضلال نتيجة فساد العلم والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرضان ملاك أمراض القلوب جميعها وشفاء ذلك بالهداية العلمية والهداية العملية معرفة الحق واتباعه والقرآن كله شفاء لهذين المرضين ولغيرهما. ففيه الهداية التامة. اهـ. من مدارج السالكين لابن القيم.()
آيات الشفاء في القرآن ()
قال الله تعالى:
1- }وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ{ [التوبة: 14].
2- }وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ{ [الشعراء: 80].
3-}يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{ [يونس: 57].
4- }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{ [الإسراء: 82].
5- }قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ{ [فصلت:44].
6- }يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ{ [النحل:69].
طب الأبدان
قواعد طب الأبدان تدور على ثلاثة فصول: حفظ الصحة والحمية عن المؤذي واستفراغ المواد الفاسدة ومن أصول الطب: تدبير الغذاء والحركة والنوم وجميع التصرفات و لايعدل إلى استعمال الأدوية إلا للضرورة أو الحاجة, وأربعة أشياء تمرض الجسم: الكلام الكثير والنوم الكثير والأكل الكثير والجماع الكثير.
وأربعة تهدم البدن: الهم والحزن والجوع والسهر.
أربعة تظلم البصر: المشي حافيا والتصبح والمساء بوجه البغيض والثقيل والعدو وكثرة البكاء وكثرة النظر في الخط الدقيق.
وأربعة تقوي الجسم: لبس الثوب الناعم ودخول الحمام المعتدل وأكل الطعام الحلو والدسم وشم الروائح الطيبة.
وأربعة تيبس الوجه وتذهب بهاءه وبهجته وطلاقته: الكذب والوقاحة وكثرة السؤال عن غير علم وكثرة الفجور.
وأربعة تزيد في ماء الوجه وبهجته: المروءة والوفاء والكرم والتقوى.
وأربعة تجلب البغضاء والمقت: الكبر والحسد والكذب والنميمة.
وأربعة تجلب الرزق: قيام الليل وكثرة الاستغفار بالأسحار وتعاهد الذكر أول النهار وآخره.
وأربعة تمنع الرزق: نوم الصبيحة وقلة الصلاة, والكسل والخيانة.
وأربعة تضر بالفهم: ادمان أكل الحامض والفواكه والنوم على القفا والهم والغم.
وأربعة تزيد في الفهم: فراغ القلب وقلة التملي من الطعام والشراب وحسن تدبير الغذاء بالأشياء الحلوة والدسمة وإخراج الفضلات المثقلة للبدن. ومما يضر بالعقل: إدمان أكل البصل والباقلا والزيتون والباذنجان وكثرة الجماع والوحدة والأفكار والسكر وكثرة الضحك والغم.()
فائدة
قال بعض العلماء دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر , وخلاء البطن وقيام الليل, والتضرع بالأسحار, ومجالسة الصالحين. قال الشاعر:
دواء القلب خمس عند قسوته
فدم عليها تفز بالخير والظفر
خلاء بطن, وقرآن تدبره
كذا تضرع باك ساعة السحر
كذا قيامك جنح الليل أوسطه
وأن تجالس أهل الخير والخبر
الوصايا الطبية النافعة
1- اجتنب السهر والكسل والخمول والتعب الكثير.
2- تعود الاستحمام أسبوعيا وارتد الملابس الخفيفة الواسعة الساترة.
3- اعتدل في المأكل والمشرب وتناول اللحم في غذاء الظهر فقط.
4- اجتنب المسكرات والتبغ وقلل من القهوة والشاي.
5- تعود على القراءة اليومية المختلفة واستنشاق الهواء الخلوي.
6- الابتعاد عن الاجتماعات المزدحمة واجتناب مخالطة المرضى بقدر الإمكان إلا للزيارة أو الخدمة لهم والتمريض.
7- اجتناب الإمساك وذلك بتعاطي الفاكهة وشرب الماء قبل النوم.
8- الاعتناء في كيفية طبخ الأغذية وتنظيف ما لا يطبخ قبل تعاطيه.
9- منتهى العناية بالأسنان وتركيب الناقص منها وتنظيفها بالسواك.
10- بكر إلى النوم وقم مبكرا تصبح نشيطا طيب النفس.
11- متى استيقظت صباحًا لا تتقلب في الفراش متثاقلاً فإن ذلك يضعف الجسم.
12- لا تتنفس من فمك وتنفس من أنفك فإنه يقوي الرئتين.
13- لا تشرب الماء عقب الاستحمام ولا التعب ولا الأكل ولا الجماع.
14- لا تشرب الماء دفعة واحدة فإنك لا تروى بل تنفس ثلاثا خارج الإناء.
15- الفم والأسنان باب المعدة والمعدة أصل الداء ومبعث البلاء.
16- اشرب الحليب يوميا فهو غذاء كامل لذيذ الطعم سهل الهضم.
17- الخضر والفواكه منشطة وأليافها تمنع حدوث الإمساك لأنها تحتوي على الأملاح المعدنية والفيتامينات.
18- البيض غذاء جيد غني بالفيتامينات والأملاح المعدنية سهل الهضم يساعد على النمو.
19- اللحوم والأسماك والألبان والبيض مصادر أساسية للتغذية بها يبني الجسم خلاياه ويعوض التالف منها.
20-لا تسرف في تناول الدهون فيفسد هضمك وترهق كبدك وتصاب بالترهل والبدانة.
21- لا تسرف في الطعام عموما فتصاب بالتخمة «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه» رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن.
22- نوع غذاءك ما استطعت لتحصل على أكبر فائدة منه وتظل نشطا نظرا.
23- هل تعلم أن أكل التفاح بعد غسله جيدا وبدون تقشير بعد الأكل ينظف الأسنان ويهدئ الأعصاب ويمنع الإمساك.
24- أكل الجزر أو شرب عصيره أهم مصدر للفيتامين المفيد للعينين.
25- الخبز الأسمر يحتوي على فيتامينات أكثر من الخبز الأبيض().
علامات صحة القلب
1- كثرة ذكر الله تعالى سرا وجهرا وخدمته في كل حال بلا عجز ولا ملل.
2- إذا فات الإنسان ورده مثل الصلاة مع الجماعة والقراءة وأذكار الصباح والمساء من ليل أو نهار تألم لذلك وتحسر على فواته.
3- شحه بالوقت يمضي ضياعا بلا علم ولا عمل ولا ذكر كالشحيح ببذل المال.
4- الاهتمام بالله وحده دون سواه.
5- ذهاب الهم في الدنيا وقت الصلاة والاهتمام بها وشدة الخروج منها.
6- الاهتمام بتصحيح الأقوال والأعمال وإخلاص النيات وتخليص النصيحة من غير غش يمازج صفوها والحرص على اتباع الأمر والنهي الشرعي. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.()
من أمراض القلوب وعلاجها
إلى من تبلغه هذه النصيحة من المسلمين. رزقني الله وإياهم الفقه في الدين ومزيد التمسك بما بُعِث به سيد المرسلين. ومَنَّ عليَّ وعليهم باقتفاء آثار الصدر الأول من سلفنا الصالح المصلحين, آمين. سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد. فإن من أعظم فرائض الدين التذكير بآيات الله وأيامه في خلقه والتحدث بنعمه, والتحذير من أسباب نقمه, لما في ذلك من أسباب حصول الخير الكثير, والسلامة من حلول العقوبات والتغيير. قال تعالى}وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ{()وقال تعالى: }فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ{() وقال تعالى: }وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ{()وقال تعالى: }وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ{()
وأعظم نعمة أنعم الله بها على عباده بعثة عبده ورسوله محمد r بالهُدى ودين الحق، وهما العِلم النافع والعمل الصالح. وأصل ذلك وأساسه عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه، فأشرقت ببعثته قلوب من استجابوا له بعد ظلامها، وخشعت ولانت بعد قسوتها، ونالوا بذلك من القوة بعد الضعف، والعز بعد الذل، والعلم بعد الجهل، ما فتحوا به البلاد وقلوب العباد، وعلت بذلك كلمة الله، وصارت كلمة الكفر إلى السفال والفشل والإذلال، وعزل سلطان الجاهلية والإشراك، فلله الحمد على ذلك إلا أن إبليس أعاذنا الله منه لشدة عداوته لبني الإنسان وعظيم تغلغله بالكفر والطغيان ومزيد جده في الصدف عن طاعة الرحمن، وإن كان قد صدر منه ما صدر من اليأس لم يدع الجد في إطفاء هذا النور والتنفير عن الحق والترغيب في أنواع الكفر والإلحاد والفجور والدعوة إلى البدع والإكثار من الأزّ إلى المعاصي والشرور، وبث الشبه والشبهات وألوان المغريات على أيدي حزبه ومن استجابوا له من شياطين الإنس، ومن أنواع الخدع بزينة الدنيا وزخارفها الفتانة وضروب الشهوات وشتى أسباب الصد عن ذكر الله وعن الصلاة من أجناس الملاهي وصنوف المسكرات حتى ثقل على القلوب سماع القرآن وحصل التهاون بوعيده وعدم الاهتمام بزواجره وتهديده. ولا سيما بعد ما تصرمت أيام القرون المفضلة فإنه قد اشتد الخطب وانفتح باب الشر على مصراعيه ولم يزل في مزيد. وإن كان ربنا تبارك وتعالى قد مَنَّ ببقاء أصل هذا النور وتأييد هذا الحق بما أجراه على أيدي علماء الصدق وورثة الرسل من تجديد هذا الدين وإقامة حجج الله على عباده. ومع ذلك فالأمر على ما وصفته من تأثير مساعي إبليس وجنوده على الأكثر حتى اشتدت الكربة وصار الدين في غاية من الغربة ولا سيما أزماننا هذه التي صار فيها عند الأكثر المعروف منكرًا والمنكر معروفًا والسُّنة بدعة والبدعة سُنَّة. ربى على ذلك الصغير وهرم عليه الكبير، وطغى طوفان المادة وأخفى غبار الشبهات والشهوات وضوح الجادة وفشا الجهل وتكلم في الأمور الدينية من ليس لها بأهل حتى صرح من صرَّح من جهلتهم فيما يكتبونه وينشرونه بمزيد الحث والتحريض على ما هو من أعظم ما يهدم الإسلام وينسي أصوله العظام وأصبحت القلوب إن لم تمت في غاية من أنواع الأمراض مرض الجهل ومرض الشهوة ومرض الشبهه حتى استولت عليها القسوة والظلمة، فإنا لله وإنَّا إليه راجعون...
فيالها من أمراض ما أصعبها مع الإعراض عن الأدوية المحمدية، وما أسهلها وما أخفها وما أسرع برأها متى عُولجت بالدواء الذي بُعِثَ به طبيب القلوب الأكبر r.
وقد سَمَّى النبي r الجهل مرضًا لما ينشأ عنه من عمى القلوب الذي هو المرض – أي مرض – وفيما بعث به r من الكتاب والشُّنَّة لهذه الأمراض أنجح دواء وأنفع شفاء. قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{() وقال تعالى: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا{() فهلمَّ إخواني نداوي هذه الأمراض بأدوية كتاب الله وسُنَّة رسوله r بتدبر أوامرهما ونواهيهما ووعدهما ووعيدهما وزواجرهما ومذاكرة بعضنا مع بعض وقيامنا لله مَثْنى وفُرادى لنتذكر ونتفكر ونتناصح ونتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر ونحب في الله ونبغض في الله ونوالي في الله ونعادي في الله ونتعاون على البر والتقوى ونبحث عن أدوية تلك الأمراض التي تحصيلها من أسهل شيء عندما تحصل القلوب على الصدق في طلب هذا الدواء والإقبال على الله في التماس السَّلامة من تلك الأدواء. قال تعالى: }قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا{() هلم إخواني نشخص سائر أمراض قلوبنا ونشخص أدويتها ونجاهد نفوسنا على معالجتها من تلك الأمراض المهلكة، ويحض بعضنا بعضا ويحذَّر كل مِنَّا نفسه وأخاه من وبيل أخذ الله وشديد عقابه الدنيوي والأُخروي، ومن الإقامة على أسباب تغيير ما من الله به من التوحيد وتحكيم الوحي المحمدي والعز والتأييد والأمن والصحة والهدوء.}إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ{() وفي الأثر أن الله أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك أنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله إلا حوَّل الله عنهم ما يحبون إلى ما يكرهون. إخواني: إن ربنا تبارك وتعالى لم يغير على قوم نوح بإهلاكهم بالطوفان وسائر من أوقع بهم عقابه وأحلَّ بهم سطوته إلا بعد أن غيَّروا بمعصيتهم رسله وفسقهم عن طاعته فاستوجبوا التدمير }وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا
بَصِيرًا{() هلم إخواني لإمساك بعضنا بيد بعض وتنشيط بعضنا لبعض إلى اليقظة والانتباه من هذه الرقدة التي طالما انتهز عدونا فيها الفرصة.
هلم إخواني للتوبة النصوح إلى ربنا ورجوعنا ممَّا يسخطه إلى ما يرضيه قولاً وفعلاً ومعاملة لبعضنا مع بعض بإخلاص وصدق. قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{() }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{() وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.()()
الطب في القرآن الكريم
القرآن الكريم هو الشفاء التام لجميع الأمراض القلبية والبدنية وأمراض الدنيا والآخرة. قال تعالى: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{() وقال تعالى }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{()
}قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ{()
وإذا أحسن المريض التداوي به فوضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم لم يقاومه الداء أبدًا وكيف تقاوم الأمراض كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه وقد أرشد القرآن إلى أن قواعد الطب للأبدان ثلاثة: حفظ الصحة والحمية عن المؤذي واستفراغ المواد الفاسدة.
فأما حفظ الصحة: فقد قال الله تعالى في آية الصوم: }فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{() فأباح الفطر للمريض ولعذر المرض والمسافر طلبًا لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر.
وأما الحمية: فقال تعالى في آية الوضوء والطهارة }وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا{() فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التيمم حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له مِنْ داخل أو خارج.
وأما استفراغ المواد الفاسدة: فقد قال تعالى في آية الحج: }فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ{() فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه من قمل أو حكة أو غيرهما أن يحلق رأسه في الإحرام بالحج استفراغًا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باختفائها تحت الشعر فإذا حلق رأسه تفتحت المسام فخرجت تلك الأبخرة منها فهذا الاستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة: الدم والغائط والبول والريح والقيء والعطاس والمني والنوم والجوع والعطش، وكل واحدة من هذه الأشياء يوجب حبسه داء من الأمراض وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه كما هي طريقة القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى فقد أرشد سبحانه عباده إلى أصول الطب الثلاثة ومجامع قواعدها.()
وثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي r قال: «ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء» وهذا يعم داء القلب والروح والبدن وأدويتها. وقد جعل النبي r الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء وأخبر الله سبحانه أن القرآن شفاء فهو شفاء القلوب من داء الجهل والشك والريب فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجح في إزالة الداء من القرآن ومن أنفع الأدوية الالحاح في الدعاء () }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{() صدق الله العظيم وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مرض القلب وعلاجه*
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم. وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً. ووهب له العقل الذي امتاز به عن البهائم ليعرف به ربه ويدرك به مصالحه – فَإِنْ أحسن العمل في هذه الدنيا كان تكريمه موصولاً في الدنيا والآخرة: }وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً{() وَإِنْ أساء العمل وألغى عقله رده الله أسفل سافلين: }وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً{().
أحمده على نعمه التي لا تحصى. وأشكره وحقه أن يطاع فلا يعصى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله – كان يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك»() صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله.. اتقوا الله تعالى الذي خلقكم وصوركم فأحسن صوركم: }يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ{() نعم إنك أيها الإنسان مركب من أعضاء وكل عضو منك خلق لفعل خاص فإذا مرض ذلك العضو تعطل عمله أو اختل. فإذا مرضت اليد تعذر منها البطش. وإذا مرضت العين تعذر منها الإبصار. وإذا مرض القلب بالمعاصي تعذر منه فعله الخاص الذي خلق من أجله وهو العلم والحكمة والمعرفة وحب الله وعبادته. ومرض القلب هو الداء العضال وهو مرض خفي قد لا يعرفه صاحبه فلذلك يغفل عنه وإن عرفه صعب عليه الصبر على مرارة دوائه لأن دواءه مخالفة الهوى.. إن القلب هو ملك الأعضاء ومصدر سعادتها أو شقائها. ومصدر صلاحها أو فسادها- قال رسول الله r: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»() ففي هذا الحديث دليل على أن صلاح أعمال العبد بحسب صلاح قلبه. وأن فساد أعمال العبد بحسب فساد قلبه فالقلب الصالح هو القلب السليم الذي لا ينفع عند الله غيره قال تعالى: }يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{() فالقلوب على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: قلب سليم وهو السالم من الآفات والمكروهات كلها وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله وخشيته وخشية ما يباعد عنه.
النوع الثاني: القلب الميت الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربه ولا يعبده فهو واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه فلا يستجيب للناصح بل يتبع كل شيطان مريد.
النوع الثالث: القلب المريض وهو قلب له حياة وبه علة – فالقلب الأول قلب مخبت واع لين حي. والقلب الثاني قلب يابس ميت. والقلب الثالث قلب مريض. فأما إلى السلامة أدني وأما إلى العطب أدني.