رشوة انتخابية.. أداة ضغط ونقد سياسية فعالة.. وسيلة للتقريب المذهبي.. نافذة لتحسين العلاقات بين الدول.. إنها الطماطم!!، ففي الأيام الأخيرة، صارت تلك الثمرة "ورقة سياسية" بامتياز في منطقة الشرق الأوسط تلعب بها الحكومات أو تكتوي بنار أسعارها المجنونة التي لا تكف عن الارتفاع تماما مثل الشعوب!، كما تشير كثير من التعليقات و"التحليلات" ورسوم الكاريكاتير!.

وأضحت تلك "الورقة السياسية الحمراء" حاضرة بقوة في المشهد السياسي الإقليمي الراهن، إذ سجلت حضورا فاعلا في العلاقات بين تركيا وإسرائيل؛ حين شرعت الأخيرة تحاول استيراد الطماطم من تركيا رغم التوترات الناشبة بينهما، بينما أبدى مسؤولون أتراك مخاوفهم من تأثير الطماطم الإسرائيلية صحيا وسياسيا عليهم.

وعلى الصعيد الانتخابي: تحولت الطماطم في مصر إلى "هدية" أو "رشوة" انتخابية، فيما شهد الأردن كذلك تحذيرات من أن انشغال الأردنيين بالحصول على صندوق البندورة (الطماطم) سيتجاوز بكثير حرصهم على التوجه قريبا إلى صندوق الاقتراع للمشاركة في الانتخابات التشريعية.

ولم يتوقف تأثير الطماطم عند ذلك الحد، بل صارت تلك السلعة تقوم بدور إيجابي ربما عجزت عنه كبار الشخصيات!. ففي الكويت، استطاعت حملة المقاطعة الكويتية "خلوها تخيس" (تعفن) تحسين العلاقة المتوترة بين السنة والشيعة.

وإعلاميا، جر الارتفاع المجنون في أسعار الطماطم انتقادات عنيفة للحكومات العربية خصوصا في مصر والأردن وصار مادة خصبة لمقالات الكتاب.

المشهد "الطماطمي" الإقليمي

وإلى تفاصيل المشهد "الطماطمي الشرق أوسطي": -

في إسرائيل، تسعى الحكومة حاليا لاستيراد "الطماطم" (التي تعد الثمرة الرئيسة فى جميع الوجبات اليومية في الكيان الإسرائيلي) من تركيا بالرغم من الأزمة السياسية بين البلدين بعد أحداث سفن "أسطول الحرية" التي توجهت مؤخرا بمبادرة تركية لقطاع غزة المحاصر، وذلك فى محاولة لتهدئة أزمة ارتفاع أسعار الطماطم التى تشهدها الأسواق الإسرائيلية حالياً، بحسب صحيفة هاآرتس الإسرائيلية.

وطالب وزير الزراعة الإسرائيلي شالوم سمحون المسئولين بوزارته بالعمل مع مصلحة الضرائب لإلغاء ضريبة الاستيراد على الطماطم للمساعدة فى تسهيل استيراد فورى لـ2000 طن، من تركيا ومصر والأردن وإيطاليا، حيث تبلغ الضريبة على استيراد الطماطم 1 شيكل لكل كيلو جرام واحد.

وفيما لم يعرف بعد موقف تركيا من الطلب الإسرائيل خصوصا أن أنقره هي الأخرى تواجه الأزمة نفسها، على الجانب الآخر، حذر رئيس التعليم العالي التركي يوسف ضيا أوزجان من أن الاعتماد على الولايات المتحدة وإسرائيل في استيراد بعض المحاصيل الزراعية، مثل الطماطم، قد يؤدي إلى "القضاء" على الأمة التركية في غضون 20 عاما، "لأننا لا نعرف ماذا تحوي هذه الطماطم التي يخضعونها لعمليات الهندسة الوراثية"، ملمحا لاحتمال أن تتضمن الطماطم المستوردة سموما، وفق ما نشره موقع أخبار العالم التركي مؤخرا.

هدايا انتخابية

وفي مصر، دفعت الأسعار الملتهبة للطماطم مرشحا للانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر المقبل إلى إهداء كميات كبيرة من الطماطم بسعر رخيص لأهالي الدائرة كنوع من الدعاية الانتخابية.

وانتشرت سيارات في دائرة بولاق الدكرور بالقاهرة الكبرى تحمل كميات من الطماطم وترفع مكبرات الصوت التي تحث أهالي المنطقة على شراء الطماطم بسعر رخيص، وتشيد بمن جلب هذه الطماطم، وهو "مرشحكم الأستاذ...." الذي يريد رفع المعاناة عن أهالي المنطقة بعد ان وصل كيلو الطماطم الي أسعار تتروح من بين 10 إلى 16 جنيهًا" (2 ونصف دولار مقابل نصف دولار واحد في الأحوال العادية، بحسب موقع راديو حريتنا.

ولم تسلم طبقة من طبقات الشعب المصري من تبعات هذه الأزمة، فقد نشرت صحيفة "بنوك اليوم" تحقيقا بعنوان "الطماطم جننت حتى المصرفيين الأغنياء" أكد فيه عدد من المصرفيين معاناتهم وشكوا تضاعف أسعار الطماطم 4 أضعاف دفعة واحدة.

المرتب: 10 كيلو طماطم!

أما بالنسبة للأسر الفقيرة فقد تساءل محمد حمدي في مقاله بموقع "اليوم السابع" عن الأسر التي تعيش على "نظام الضمان الاجتماعي" والذين تتراوح معاشاتهم ما بين 80 جنيها و120 جنيها، "أي أن هناك 3 ملايين أسرة تعيش على 10 كيلو طماطم في الشهر".

وفي السعودية، ورغم أن منطقة حائل (شمال السعودية) تحقق اكتفاء ذاتيا في الكثير من الخضراوات للمملكة، فقد حققت "الطماطم" قفزات سعرية "ماراثونية" مفاجئة مؤخرا، لتصل قيمة الكيلو إلى 12 ريالا (3 دولارات)، بزيادة نحو 45 % عن أسعارها قبل ثلاثة أشهر، بينما يتوقع مختصون أن يستمر "جنون" الطماطم طيلة الأسبوع المقبل.

وقد جعل ذلك الارتفاع الحاد في الأسعار "الطماطم" محلا لتهكمات بعض من رسامي الكاريكاتور، بعد خروج أحد أهم رسامي ذلك الفن في السعودية برسم، صوّر فيه تاجر ذهب ومجوهرات أضاف على قائمة مبيعاته من الذهب والحُلي والمجوهرات طماطم، في إشارة منه إلى ارتفاع مؤشراتها عند حاجز لا يُعقل، من حيث سعرها الذي تخطى 70 ريالا للصندوق في بعض المناطق.

ولم تسلم "الطماطم" من تهكمات الكتاب، ففي جريدة عكاظ كتبت فاطمة العبد الله تقول: "في صغري كانت أمي تنتظر عودة إخوتي بفارغ الصبر يوم استلام النتائج و ("يا ويل اللي يجيب طماطمه في شهادته")، فقد كان الأساتذة يرمزون للرسوب برسم دائرة حمراء حول تلك المادة ويسمونها (طماطمه)، هكذا كانت الطماطم رخيصة في تلك الأيام، فالكسول بكسله يجلبها، فوحده الكسول هو من ترسم له طماطم في نتيجته ويعيد دراسة تلك السنة حتى ينجح من دون طماطم"..

وتستطرد ساخرة: "واليوم من يدخل على أمي بكرتون طماطم سيحظى بدعواها ورضاها، فسعر الطماطم ارتفاعه أذهل الناس هذه الأيام حتى نافس في ذهوله انخفاض سعر الأسهم"..

البندورة أهم من الاقتراع!
وفي الأردن جرت البندورة (الطماطم) على الحكومة الأردنية انتقادات لعجزها عن خفض أسعارها، كما أثارت مخاوف من تأثير الأزمة على الانتخابات التشريعية المقبلة فيها، وبلغت أسعار البندورة في الأردن 1.5 دينار أردني (2.1 دولار) للكيلو الواحد بزيادة بنسبة 50 بالمائة تقريبا.

وعلى جريدة السبيل الأردنية شن الكاتب "حارث عبد الفتاح" هجوما على الحكومة قائلا: "انقضى قرابة الشهر ولم تستطع الحكومة أن تحل مشكلة توفير البندورة ذات الجودة الجيدة، وبأسعار معقولة لمواطنيها".

وتساءل مستنكرا: "فهل تستطيع أن تحل مشاكل الطاقة؟ ومشكلة نقص تزويد المياه لأحياء ومناطق واسعة من المملكة؟ وهل تستطيع حل مشكلة ازدحام الطرق الرئيسة في عمان؟ إلى جانب مشكلة نقص وسائل النقل الحديثة للمواطنين، وهل تستطيع الحكومة أن توفر حياة كريمة لمواطنيها في ظل عجزها الواضح عن تأمين مادة البندورة؟".

وفي محاولة لحل الأزمة طالبت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك بوقف تصدير البندورة إلى الخارج بشكل فوري، واستغربت الجمعية في بيان لها موافقة وزارة الزراعة على تصدير كميات من البندورة إلى دول الخليج في ظل النقص المحلي، بحسب الجريدة ذاتها.

وما بين شكوى المزارعين والمواطنين في الأردن، يحذر مختصون من تحول صناديق البندورة "لصناديق اقتراع" في الانتخابات البرلمانية المقبلة بالأردن، والتي تخشى الحكومة من ضعف المشاركة الشعبية فيها، في إشارة الى توقعات بانشغال الأردنيين أكثر بالحصول على صناديق البندورة وعزوفهم عن المشاركة في الاقتراع.

توحد السنة والشيعة

أما في الكويت، فكان للطماطم رأي آخر! إذ نجحت "الطماطم" في لم شمل أبناء الوطن الواحد، وساعدت على تجاوز توترات كادت تتحول إلى فتنة طائفية بين السنة والشيعة بسبب التصريحات الأخيرة لياسر الحبيب (الشيعي المقيم بالخارج) المسيئة للسيدة عائشة، إذ أطلق نواب وشباب من مختلف أطياف الشعب الكويتي حملة تضامنية لخفض أسعار الخضروات ومسلتزمات المائدة اليومية لحياة مئات الآلاف من البشر، تحت شعار مبتكر وجديد غير مسبوق وهو «خليها تخيس» (أي دعوها تتعفن) وذلك لمواجهة المستغلين وتجار الأزمات.

وفي مقاله على موقع "السياسة" الكويتي رأى الكاتب داود البصري أنه "بعد أن وصلت أسعارها لحدود فلكية، قد استطاعت الحملة الوصول لتخفيض جدي في الأسعار وصل في بعض المناطق لما نسبته 40% وهو نجاح لو تعلمون عظيم، ويكرس في الصميم مبدأ رئيسيًّا جبل عليه أهل الكويت جميعا في الماضي والحاضر، وحتى في المستقبل وهو مبدأ «التضامن الوطني الشامل»" بعيدا عن الخلافات والتوترات.

وإذا كانت موجة الحر الشديدة التي ضربت منطقة الشرق الأوسط الصيف الماضي السبب الرئيسي في ندرة محصول الطماطم هذا العام وبالتالي ارتفاع أسعارها، فإن ما حدث في أعقاب ذلك من نتائج وانعكاسات على الصعيد السياسي والإقليمي تجاوز بدرجة كبيرة حجم هذه الثمرة..