وسئل يوذجانس عن العشق , فقال : سوء اختيار صادف نفسا فارغة .
وقال أرسطاطاليس : العشق هو عمى الحس عن إدراك عيوب المحبوب .
وقال فيثاغورس : العش طمع يتولد في القلب , ويتحرك وينمَى , ثم يتربى ويجتمع إليه مواد من الحرص , فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج , والتمادي في الطمع , والفكر في الأماني , والحرص على الطلب , حتى يؤديه ذلك إلى الغم المقلق .
قال المتنبي :
وما العشقُ إلا غِرةٌ وطماعةٌ ..... يُعرِّض قلبٌ نفسَه فيُصابُ
قال سقراط الحكيم : العشق جنون , وهو ألوان كما أن الجنون ألوان .
قال بعض الفلاسفة : لم أر حقا أشبه بباطل , ولا باطلا أشبه بحق , من العشق .! هزله جِد , وجِده هزل , وأوله لعب وآخره عطَب .
سُئل طبيب كان موصوف بالحذق : ما العشق؟ قال : شغل قلب فارغ .
.
سُئل زهير المديني : ما العشق ؟ قال : الجنون والذل , وهو داء أهل الظرف .
وَصَف أعرابيٌ الحب فقال : إن لم يكن جنسا من الجنون , إنه لعصارة من السحر .!
قال الأصمعي : لقد أكثر الناس في العشق , فما سمعت أوجز ولا أجمل من قول بعض نساء العرب , وسُئلت عن العشق , فقالت : ذلٌ وجنون .
قال ابن الجوزي : العشق شدة ميل النفس إلى صورة تلائم طبعها , فإذا قَوِيَ فِكْرُها فيها تصوّرت حُصولها وتمنَّت ذلك , فيتجدد مِن شِدة الفكر مَــــرض .
كر حكماء الأوائل أن النفوس ثلاث :
1-نفس ناطقة , ومحبتها منصرفة إلى المعارف واكتساب الفضائل .
2-ونفس حيوانية عصبية , فمحبتها منصرفة نحو القهر والغَلَبة والرياسة .
3-ونفس شهوانية , فمحبتها منصرفة إلى المآكل والمشارب والمناكــح .
قال ابن الجوزي :
سبب العشق مصادفة النفس ما يلائم طبعها , فتستحسنه وتميل إليه , وأكثر أسباب المصادفة النظر , ولا يكون ذلك باللمح بل بالتثبت في النظر ومعاودته , فإذا غاب المحبوب عن العين طلبته النفس ورامت القرب منه , ثم تمنت الاستمتاع به , فيصير فكرها فيه , وتصويرها إياه في الغيبة حاضرا , وشغلها كله به , فيتجدد من ذلك أمراض لانصراف الفكر إلى ذلك المعنى , وكلما قويت الشهوة البدنية قوي الفكر في ذلك .
وقال ابن الجوزي : من أسباب العشق سماع الغزل والغناء , فإن ذلك يصور في النفوس نقوش صور , فتتخمر خميرة صورة موصوفة , ثم يصادف النظر مستحسنا , فتتعلق النفس بما كانت تطلبه حالة الوصف .
قال ابن الجوزي : (مستدلا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : "الأرواح جنود مجندة , فما تعارف منا ائتلف , وما تناكر منها اختلف") كانت الأرواح موجودة قبل الأجسام , فمال الجنس إلى الجنس , فلما افترقت في الأجساد بقي في كل نفس حبُّ ماكان مقاربا لها , فإذا شاهدت النفسُ من نفسٍ نَوعَ موافقة مالت إليها , ظانةً أنها هي التي كانت قَرينتها , فإن كان التشاكل في المعاني كانت صداقة ومودّة , وإن كان في معنى يتعلق بالصورة كان عشقا , وإنما يوجد المللُ والإعراض في بعض الناس لأن التجربة أبانت ارتفاع المجانسة والمناسبة .
وأنشدوا في ذلك :
وقائـــلٍ كيــف تهاجـــرتٌمـــا ..... فقلــــتُ قــــولا فيــــه إنصـــافُ
لم يكُ من شكلي ففارقتُـــه ..... والنــــــاسُ أشكـــــــــــالٌ وأُلاَّفُ
.
وقال ابن الجوزي : يتأكد العشق بإدمان النظر , وكثرة اللقاء , وطول الحديث , فإن انضمّ إلى ذلك معانقة أو تقبيل فقد تم استحكامه .
وعاد سما قاتلا .
وقال آخرون : هو مذموم , لأنه يستأسر العاشق , ويجعله في مقام المستعبد .
قال ابن الجوزي (في الفصل بينهم): المحبة والود والميل إلى الأشياء المستحسنة والملائمة فلا يُذمّ , ولا يُعدم ذلك إلا الحبيس من الأشخاص . فأما العشق الذي يزيد على حد الميل والمحبة فيملك العقل ويُصَرِّف صاحبه على غير مقتضى الحكمة , فذلك مذموم , ويتحاشى من مثله الحكماء .
قال ابن الجوزي : الشيء إنما يُعرف ممدوحا أو مذموما بتأمل ذاته وفوائده وعواقبه . وذات العشق لَهَجٌ بصورة , وهذا ليس فيه فضيلة فيمدح , ولا فائدة في العشق للنفس الناطقة , وإنما هو أثر غلبة النفس الشهوانية , لأنها لما قويت أحبت ما يليق بها .
قال بعض الحكماء : ليس العشق من أدواء الحصفاء , إنما هو من أمراض الخلعاء , الذين جعلوا دأبهم ولهجهم متابعة النفس , وإرخاء عنان الشهوة , وإمراج النظر في مستحسنات الصور , فهنالك تتقيد النفس ببعض الصور , فتأنس , ثم تألف , ثم تتوق , ثم تلمح , فيقال عَشِق .
قال ابن عقيل : العشق مرض يعتري النفوس العاطلة والقلوب الفارغة , والمتلمحة للصور , لدواع من النفس , ويساعدها إدمان المخالطة , فتتأكد الألفة , ويتمكن الأنس فيصير بالإدمان شغفا , وما عشق قط إلا فارغ , فهو من علل الباطلين , وأمراض الفارغين من النظر في دلائل العبر وطلب الحقائق المستدل بها على عظم الخالق , ولهذا قلّ كا تراه إلا في الرُّعن البطري وأرباب الخلاعة النَّوكى .(أي الحمقى)
قال ابن الجوزي : العشق بيِّن(أي واضح) الضّرر في الدين والدنيا . أما في الدين فإن العشق أولا : يشغل القلب عن الفكر فيما خُلق له , من معرفة الإله والخوف منه والقرب إليه . ثم بقدر ما ينال من موافقة غرضه المحرم يكون خسران آخرته , وتعرضه لعقوبة خالقه . فكلما قرب من هواه بعد من مولاه , ولا يكاد العشق يقع في الحلال المقدور عليه , فإن وقع , فيا سرعان زواله !
وأما ضرر العشق في الدنيا فإنه يورث الهم الدائم , والفكر اللازم , والسواس والأرق , وقلة المطعم , وكثرة السهر , ثم يتسلط على الجوارح , فتنشأ الصفرة في البدن , والرعدة في الأطراف , واللجلجة في اللسان , والنحول في الجسد . فالرأي عاطل , والقلب غائب عن تدبير مصلحته , والدموع هواطل , والحسرات تتتابع , والزفرات تتوالى , والأنفاس لا تمتد , والأحشاء تضطرم .
وقد أنشدوا :
وما عاقل في الناس يُحمد أمره ..... ويُذكر إلا وهو في الحبّ أحمقُ
وما من فتى ذاق بؤس معيشةٍ ...... منَ الناس إلا ذاقها حين يعشقُ
قال الجاحظ : ذُكر لي عن بعض حكماء الهند أنه قال : إذا ظهر العشق عندنا في رجل أو امرأة غدونا على أهله بالتعزية .
قال الربعي : سمعت أعرابية تقول : مسكين العاشق , كل شيء عدوه , هبوب الرياح يقلقه , ولمعان البرق يؤرقه , ورُسوم الديار تُحرقه , والعذل يؤلمه , والتذكر يسقمه , والبعد ينحِله , والقرب يهيجه , والليل يضاعف بلاه , والرقاد يَهرُب منه , ولقد تداويت بالقرب والبعد فلم ينجح فيه دواء , ولا عزَّى فيه عزاء , ولقد أحسن الذي يقول :
وقد زعموا أن المحبَّ إذا دنا ..... يَملُّ وأن النأيَ يُشفي من الوجدِ
بكلٍّ تداوينا فلم يَشْفِ ما بنا ...... على أن قُرْبَ الدّار خيرٌ من البعدِ
سُئل أعرابي عن الحب , فقال : وما الحب ؟ وما عسى أن يكون ؟ هل هو إلا سحر أو جنون! ثم أنشأ يقول :
هل الحبُّ إلا زفرةٌ بعد زفـــــرة ..... وحَـرٌّ علـــى الأحشاء ليس له بَـــــرْدُ
وفَيْـــــضُ دمـوع من جُفــوني كلما ..... بَدَا عَلَمٌ من أرضِكم لم يكن يَبدُو
قال الأصمعي : قلت لأعرابي : ما الحب ؟ فقال:
الحـبُّ مَشْغَلَةٌ عن كل صـــالحــةٍ ..... وسَكْرَةُ الحـبِّ تنفي سَكْرَة الوَسَــنِ
(الوسن : النعاس الشديد)
قال ابن أبي حُصينة :
والعشقُ يجتذِبُ النفوسَ إلى الرَّدَى ..... بالطَّبْع وَاحَسَدِي لمن لم يعشَقِ
طرَق الخيال فهــاج لي بطُـــرُوقه ..... وَلَـهـاً فليتَ خيالَهَــا لم يَطْــرُقِ
الأربعاء 2 يونيو 2010 - 10:15 من طرف Admin